دعونا في البداية نضع قاعدتين أساسيتين: الأولى أن التربية ليست بالصدفة وليست مجرد خبرات أو تجارب حياتية، بحيث يتميز الناس في تربية أبنائهم بما حظو به من تجارب أو مشاهدات؛ ولكنها عملية موجهة تهدف لإحداث تغيير، تبنى على فهم بحاجات الأبناء وخصائصهم الجسمية والعقلية والنفسية، وهي عملية مستمرة تبدأ من ميلاد الأبناء وتصاحبهم إلى الرشد.
أما القاعدة الثانية فهي قاعدة إدارية مشهورة تقول “المسؤولية لا تُفوض” بمعنى أن الوالدين وإن استخدما الوسائل واجتهدا في اختيار ما يناسب أبناءهم كالمعلم الكفء والمدرسة المتميزة، إلا أنهما أي الوالدين مسؤولين مسؤولية كاملة عن تربية أطفالهم وبالتالي مسؤولين تماماً عن النتائج التي يحققها الأبناء والأثر التربوي عليهم.
مع إدراكنا للقاعدة الأولى نفهم ونقتنع أنه لابد أن يمتلك الوالدين خطة تربوية لأبنائهم؛ خطة تعمل على تحقيق تطور تربوي دائم يُصاحب النمو العمري للأبناء، وهذا ما لا يُمكن للخدم أو أي فرد أداءه إلا الوالدين، مهما بلغ الأفراد المساعدون من مكانة أو فهم. وانطلاقاً من القاعدة الثانية نستطيع أن نعي أن مسؤولية الوالدين عن أبنائهما كاملة وتامة؛ ولا يصح تفويض المسؤولية لأي أحد بحيث تضيع ويضيع معها الأبناء، بأي دعوة كانت كالقول بالانشغال بالعمل أو الدعوة أو كسب الرزق أو السعي لتطوير الدخل أو السفر، فالأبناء أمانة غالية والعمل التربوي هو وظيفة الوالدين الأساسية، ولا يجوز التخلي عن تلك الوظيفة أو التفريط في أمانة تربية الأبناء.
يُحكى أن معلماً كان يعمل بإعطاء الدروس، وكان مشغولاً عن أبناءه، وكلما دعاه أحد أبناءه للعب أو الحديث معه كان يتعلل بالإنشغال بإعطاء الدروس، ويحيله إلى بعض الخدم بالبيت، فسأل الولد أبيه: بكم تعطي الساعة يا أبي. فقال الوالد: الساعة بمائة دولار. فجمع الولد من مصروفه لمدة شهرين ثم جاء لوالده فقال يا أبي: أريد أن تعطيني ساعة من وقتك، ووضع مائة دولار في يد والده، فتأثر الوالد تأثراً شديداً وذرفت عيناه بالدموع، في تلك اللحظة شعر بحقيقة احتياج ولده له في الحديث واللعب وقضاء الوقت معه، هكذا هم أبناؤنا وحاجتهم الماسة لنا، فلنكن على قدر المسؤولية، ولنعطي أبناءنا حقوقهم ونؤدي الأمانة على خير وجه.
حمزة صالح
مستشار بناء القيم ومدير مشروع صناعة القدوات